- أَرْكَوِيتْ :أَطَوِيلٌ لَيْلُهَا أَمْ يَطُولُ؟!
(1)
مَدْخَلْ:
لي في الديار ديار كلما طرفت عيني
يرف ضياها في دجى هدبي
وذكريات احبائي اذا خطرت
احس بالموج فوق البحر يلعب بي
شيخ كأنّ وقار الكون لحيته
وآخرون دماهم كونت نسبي
واصدقاء عيون فضلهم مدد
ان حدثوك حسبت الصوت صوت نبي
من كان يحمل مثلي حب موطنه
يأبى الغياب ولو في الانجم الشهب
(2)
جَدَلَيَّّةُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانْ :
لعل التاريخ لم يحدد ميلادًا للمدينة كما سائر بقية مدن السودان ،بيد ان القبور والحفريات الضاربة في قَدم التاريخ تدل علي مدي قدم المدينة ،اذ ان ثمة مقابر استُقبلت شواهدها شطر بيت المقدس ،كما وُجد بعض آخر صُمم بنائه كمقابر الفراعنة التي تدفن فيها مع الميت حاجيّاته الاساسية من اكل وشرب وغذاء وحاجيّاته الثمينة كالذهب والفضة وبقية المعادن ، وقد وجد السكان قبرًا هو في حقيقته حفرة عميقة توجد في قاعها حفرة اعمق منه واضيق مغطاة بكتل خشبية متينة ،،، اما عن المدينة في عصر صدر الاسلام فيحدس قدمائها ان النبي محمد (صلعم) قام بزيارتها ،ويستدلون على ذلك باثر قدم انساني بيِّن على صخرة ،وقد قادهم الحدس الي ان ذلك قدم النبي فسموا المكان بـ(نَبِيتْ قِدَئْ) أي نعل النبي ،كما راجت بين الناس حكاية اخرى مفادها ان عليًا بن ابي طالب قاتل النساء عند مدخلها فانتصر لهم ويقال ان الرجل عقل حصانه في صخرة مشذوبة على هيئة الكتل الخشبية وسمي المكان بـ(هَتَايِيتْ مَهْكَرْ)أي مربط الفرس ولا تزال الصخرة حاضرة ، اما في تاريخ السودان المعاصر فخير شاهد علي تاريخ المنطقة وبطولاتها هي تلكم السجالات والجولات علي ايام المهدي وحركته ابان عهدي الترك والانجليز ، اذ ان اميرها في الشرق عثمان ابوبكر دقنة (أَتْمانْ دِغْنة) ، احتمي بها ابان موقعة اوكاك /قباب/ابينت، وقد آزروه ونصروه ، ولم ينسى ذلك لهم ،لذا ضمّنهم طي ّخطاباته للمهدي بقوله بـ(المحل الذي به اهلنا وهو مكان يسمى اركويت) (و) ( اركويت محل اقامة اهلنا ) – مذكرات عثمان دقنة / ت:م إ ابوسليم / ط1/ص 40-43- ، وقد التقيت بمن حدثني ان (انه كانت ثمة (سرايا) للحاكم العام يصطاف فيها ،وهي توازي القصر في المفهوم الحديث ،وقد كانت هذه السرايا بخشب الفلنكوت وارضيتها بالاسمنت ، وعندما تولي الانجليز حكم السودان وزاروا منطقة اركويت ،كان اول ما قاموا به هو حرق تلك السرايا ، والآن بقي من تلك السرايا ارضيتها الاسمنتية )- مقابلة مع العم /جمعة عوض الله.
اما من ناحية الاسم فقد جال جدل طويل لم يزل ،وان لم يُسكب مداد ، فهي اركويدج عند جاكسون ، واركٌوِيتْ عند المؤرخ محمد صالح ضرار، وإر+ كويت=المنطقة المعتدلة الطقس عند سليمان صالح ضرار، اما عند العمدة سيدنا بدري الامين رحمة الله عليه فهي أَرْكَُايْتْ ويقول ان اسمها واسماء مناطق أُخَر في الشرق مثل : قبيتْ (جبيت)،سَنكاتْ (سِنكات)،اركايتْ(اركويت)،يقول انها مستوردة من لغة حبشية ، ولعله اصاب ،لأن جدل الاسم اصبح لغزًا حيّر البجا قبل الاعاريب.
(3)
الأَرْضُ وَالطَّبِيعَة : سِيَاحَةٌ فِي السِّيَاحَة
تقع مدينة اركويت شرقي السودان ،في ولاية البحر الاحمر،على بعد سبعة وعشرين ميلا جنوب غرب مدينة بورتسودان ، وعلى بعد عشرين ميلا شرق مدينة سنكات ، ويربطها بالطريق القومي طريق عربات يبلغ طوله 34 كيلومترا عند محطة صمد ، اما من سواكن فتربطها عقبة كُلْكٌلايِيتْ التي يتسلقها الجمل برحله والمرء برجله لمدة ساعتين طلوعا وساعة نزولاً نسبة لوعورة مسالكها ،وسلسلة هضبة اركويت تتصل بجبال الجميلاب (وَنْ رِبَا) ..وهضبة اركويت هذه يتراوح ارتفاعها بين 1000 و 1200 متر فوق سطح البحر ، ويصل معدل سقوط الامطار فيها 200 ملم خلال الفترة من نوفمبر الي مارس حيث تهب الرياح الشمالية الشرقية حاملة معها رطوبة بحرية تؤدي الي رذاذ جبلي وتكاثف سديمي ، ويؤدي هذا الي خلق رطوبة يصل مداها الي عشرات الكيلومترات بعيدا عن البحر ، وتصنف الحياة النباتية فيها في اطار الشجيرات دائمة الخضرة وشبه دائمة الخضرة ، ويقول جاكسون( ان هذه المنطقة في الماضي البعيد كانت عبارة عن مروج وبحيرات مستنقعة محاطة بغابة تشبه نباتاتها نباتات الهضبة الحبشية )،(تأمل الاسم عند العمدة سيدنا بدري وقول جاكسون هذا) ،اما الحيوانات فـ(كانت)(!) توجد بها النمور والفهود وكافة انواع الغزلان والقردة وبعض انواع الطيور ، وكانت (!) منطقة حرم اركويت التي تم الاعلان عنها كمحمية في العام 1939م والتي تحتل مساحة قدرها 82000 هكتار ، وكان الغرض من انشاء المحمية هو حماية اشجار التنين وشجرة الشيطان واليوي والصبار وحماية جبل السيلأ الذي يبلغ ارتفاعه 1237 متر والحفاظ علي اشجاره ،كما ان هدف المحمية الاسمي هو حماية الماعز الجبلي والغزال العادة وابونطاط والضبع المخطط والارنب البري من خطر الانقراض ،وقد باتت جميع هذه الاحياء يهددها خطر الانقرض ان لم يكن قد قضى عليها ، كما ان اركويت تنفرد عن باقي القطر السوداني بتوفرها علي فصول السنة الاربعة ، بيد ان اكثرهذه الفصول حضورًا هو فصل الشتاء نسبة لإلتصاقه بالانسان هناك وتعلق الانسان به ، ويحفل الانسان هناك بعد انقضاء الشتاء بهلول فصل الربيع (احسب ان السوداني لم يسمع بالكلمة الا عند ايليا ابوماضي ناهيك ان يعايش زمانها)، والربيع عند (الاركويتابي) يعني الزرع والضرع بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،فتأمل.
تزيد امطار الشتاء من قيمة المياه الجوفية وترفد المياه السطحية بمزيد من الحركة الدائبة في نبع(إِينَيَابْ) و نبعي (أي أي ) و (النيل) ، والنيل هنا ليس نيل السودان المعروف بالـ(ثوبًا من العشب الطريّ / وابرتان من الحرير / وخيط ماء) وانما نيل اركويت الذي ( ان فاض اروتنا جداوله /وان تعذر جاد النخل بالرطب) ،،والناس هناك يحجون لجبل ( السِّتْ ) الذي تتضارب حول تسميته الروايات ، وأوثقها ان امرأة (خواجية) قد القت بنفسها من شاهقها منتحرة فنسب لها ، كما يحجون لضريح البطل عثمان ابوبكر دقنة في رُبا (مَنُوفَلْ) ، ويقضون فترات استجمام في فندق اركويت الذي بناه طيب الذكر السكة حديد ،واستراحة جامعة الخرطوم ، وقصر النميري ، ويروحون للنفوس ساعة بعد ساعة في بساتين اركويت العتيقة وحدائقها الغناء .
(4)
المَصْيَفْ :ذِكْرَيَاتُ المَوَاسِمْ
منذ انضمام سواكن الي بقية القطر السوداني عام 1865م أصبحت أركويت مصيفا للحكومة التركية،وقد كانت التركية تحتفظ بفرقة من البوليس فيها لحفظ الأمن بين القبائل،وقد كان آخر معاون فيها هو محمد علي افندي(حمو)حكمدار القُنُوبْ وقد استقال لما تنازلت تركيا عن سواحل البحر الاحمر وخلفه محمد أفندي أنور،وبعد غروب شمس المهدية وتولي الانجليز حكم السودان استأنفت الحكومة الاصطياف فيها ،بل واختارتها مقرًا يقضي حاكم عام السودان الفترة من اوائل ابريل حتي مايو فيها ،وقد كانت المنطقة حينها تتمتع بتلغراف يربطها بلندن ،كما أن الانجليز أحتفظوا في المنطقة بكتيبة جيش في معسكر(45)مازالت كشلاق أسرهم حاضرة في أركويت،وكانت هذه الجيوش تحارب الطليان(ايطاليا)في كسلا في حربهما المعروفة ،و معسكر (45)هو غير معسكر(كرساقو)لأن الاخير هو(47)الذي بناه الانجليز في آخر ايامهم ثم أحيلت تبعيته الي قوات الدفاع الجوي بعد سودنة المؤسسة العسكرية،وكان بالمعسكر(كرساقو)اللاجئين الفلسطينيين حتى غادروا الي اراضيهم ، ،و الآن يتبع المعسكر للفرقة (12)مشاة،وبالقرب من المعسكر يوجد مطار كرساقو الدولي الذي يقال أن تهريب اليهود الفلاشا الي اسرائيل ايام حكم النميري تم منه ، ، كما كانت الجمارك السودانية تنقل رئاستها لأركويت في الصيف منذ العام 1909م وحتى عام1914م ..ومن الوطنيين الذين يحرصون علي الاصطياف في أركويت بعد الاستقلال وقبله، نذكر السيد/عبد الرحمن المهدي الذي علي يديه تم بناء جامع المجاذيب ،والسيد/ اسماعيل الازهري ،والمشير /جعفر محمد نميري الذي ينسب اليه قصر الضيافة العتيق بأركويت،والسادة/جامعة الخرطوم الذين شيدوا استراحة عامة بأركويت ،وكانوا حريصين لقيام مؤتمرهم الاشهر فيها(مؤتمر أركويت)رد الله غربته،والذي تتشرف أركويت بإستضافته ،ويجدر بالذكر هنا ان المؤتمر قد خصص احدي دوراته في اركويت لمناقشة توحيد اليمن الشمالية والجنوبية وحضره زعماء مصر والسعودية،وأخري للصلح بين مصر والسعودية، كما ان احدي جلسات المؤتمر في اركويت قد ترأسها الشاعر الكبير /محمد محمود الزبيدي،،والحديث عن مصيف اركويت لا ينقضي دون ان يذكر السادة/ابناء باعشر ،محمد سعيد واحمد سعيد باعشر الذين كانا يداومان علي الاصطياف بأركويت بأهليهم،كما لا يفوتنا ذكر المرحوم الشيخ محمد السيد البربري الذي بني جامع السوق بأركويت والذي يتعهده ابناؤه بالعناية حتي الآن،،لعل مصيف اركويت اليوم لايتعدي( الطوكراب)وبعض ابناء اركويت الذين اجبرهم المعاش للعيش خارجها،وهم كما خور بركة يتراجعون حول بعد حول .
(5)
المَاضِي :أَيَّامٌ لَهَا إِيْقَاعْ
ان اركويت تستند الي ماضٍ بعيد ،ماضٍ من التاريخ ،إذ يبدأ الهدندوة من هنا حيث أن محمد المبارك جد عموم الهدندوة هو ابن عم عبدالله محمد ولقبه العباسي وهو جد الأبابسة في اركويت، والعباسي هذا تزوج من بجا اركويت، وتنسب اركويت منذ القدم والي يومنا هذا لقبيلة (تَنْكِيكْ)،وقبيلة تنكيك هذه ليست في الاصل احدي فروع الهدندوة كما يعتقدها الكثيرون بل اقدم من الهدندوة نفسها ،بل من القبائل التي ساندت احمد باركوين-جد الهدندوة- في حربه ضد الملك شكتيل البلويبي،وقد انضمت القبيلة الي الهدندوة مساندةً وليس نَسَبًا ـ (راجع محمد صالح ضرار/ تاريخ ممالك البجة/ ج 2 /ط1/دارالاتحاد العربي للطباعة/ص573ـــ582 )..كما تستند اركويت لماض ٍ بعيد من البطولات إذ ساندت الامير / عثمان دقنة في حربه ضد الترك والانجليز ،ثم حاربته هو نفسه عندما انقلب علي مبادئه واقتال منهم عدداً من المواطنين بدون وجه حق ، وعثمان دقنة الذي حاريته اركويت لايقوي علي مواجهته الاخرين ،اذ يروي انه(أي الامير) حينما مر بمدينه سنكات بالقطار وهو في طريقه الي الاراضي المقدسة ،طلب منه البعض ان يحيي الجموع الغفيرة التي تجمعت بالمحطة لرؤيته ، قيل انه رفض ذلك بحجة انهم لا يطيقون سلامه ،وعندما ألح عليه البعض ،قام بتلبية ذلك فقال للجموع القفيرة : ( السلام عليكم )"عينك مابتشوف الا النور"هربت كل الجموع وتفرقت من هول الصوت الجهور كأن دانة قد وقعت من السماء..وتستند أركويت لماض ٍ بعيد من الخير والجَمال، غابات كثيفة تحوي في جوفها كل اصناف الحيوانات النادرة ،وفي ظاهرها ترفد المقيم والزائر بما لذ وطاب؛؛سهول ووديان وروابي وعيون ماء لاتملك العين عنها منصرفا ؛؛وفرة من قطيع الابل والماشية ترفع من مستوي دخل الفرد الوفير أصلاً؛؛أيام انس،مرح ،دعة ،سرور،(وحبب اوطان الرجال عليهمُ/مآرب قضاها الشباب هنالك/إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم/عهود الصبا فيها فحنوا لذالك).. ولئن كان ماضيها البعيد مشرق الجبين فماضيها القريب ايضا لم يكن قاتم،فقد كان اعظم حدث احتفت به المنطقة هو استقبال رفاة البطل الامير/عثمان ابوبكر دقنة ،بعد ان جرفت مياه السد العالي قبره عام 1961م ابان فترة الحكومة الشمولية الاولي ،ويروي الذين حضروا موكب الاستقبال وإعادة الدفن ان رفاة الامير كانت كحال من توفي تلك الساعة،(رواءك لم تغيره الليالي/ولا عصفت به سود السنين/ولو نفض الغبار بعثت حيا/تصارع قوة البغي الحصين).
(6)
أَسْمَاءٌ فِي حَيَاتِهَا
ستظل أركويت محتفظة بخصوصيتها في تكوينات الأرض بأماكن تعيش بحيوية في ضمير أبنائها ،ولم يفتئ إنسانها يلهج بذكرها، أماكن تعيش في وجدان أمتها كـ( ضريح البطل عثمان ابوبكر دقنة علي قمة ربوة مَنُوفَلْ / مرقد السادة قَلْيَشِيتْ /مقابر كُرْيِي /مقابر مِسَلاَيَيْتْ /نبع أيِ أيِ /نبع النيل / بئر الشعب /بئر طاهر محمود /بئر الفلسطينيين / جبل سِيلأْ/جبل السِّتْ/ خور هَارَسَابْ /خور أَ مَاتْ / خور هِلَلِيتْ ).
وستظل تفخر بانتماء صروح عريقة تبقي دالة علي عراقة المكان و الإنسان ، ما بقي اسمها يتردد في سماوات الوطن كـ( مدرسة أركويت الاساسية بنين/ مدرسة اركويت الاساسية بنات/ مركز صحي أركويت(شفخانة اركويت سابقا)/قبة البطل عثمان دقنة/قصر الضيافة/ فندق أركويت الجديد/ فندق اركويت القديم / استراحة اركويت(استراحة جامعة الخرطوم سابقا)/مسجد السادة المجاذيب/ مسجد أركويت (مسجد سوق اركويت)/ بساتين أركويت 1،2/ سوق هَارَسَابْ / زلط اركويت ( شيده الانجليز)/بوابة أركويت).
وسيقف الإنسان والأرض تحيةً لروادٍ افنوا زهرة عمرهم خدمة لترابها وإعلاءًا لشأنها كـ(الناظرعمر علي تيتة / العمدة سيدنا بدري الامين / الشيخ بشير ابوالقاسم محمود/ السيد احمد ابوالقاسم محمود / السيد اونور ابومحمد / الاستاذ محمد احمد ابوبكر/ الاستاذ دفع الله الطاهر حسين /الاستاذ محمد محمود محمد كرار).
(7)
وَتَظَلِّينِ فِي الشِّعِرِ كَمَا السَّنُونُو
ان لم تعش منطقة بحجم ومستوي وبأهمية أركويت في الشعر السوداني ،هذا يعد قصور في ديوان الشعر السوداني ،لذا نري كثير من شعراء السودان يحفلون بذكرها في أشعارهم بتخصيص قصائد لها أو بتخليدها بأبيات في قصيدة، ولعلّي أذكر هنا شاعر مغمور من ابناء القضارف لعله توفي الي رحمة مولاه الآن واسمه عبد الرحيم وهو أستاذ لمادة اللغة العربية اختير للعمل في مدرسة اركويت الابتدائية بنين في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ،قد خصص هذا الشاعر قصائدًا حسان في وصف أركويت عندما بهرته طبيعتها وجوها وهو القادم من القضارف(!)،كما أذكر ان الشاعر والسياسي والدبلوماسي والمحامي المعروف الأستاذ/محمد احمد محجوب خلدها في رائعته (ضفاف النيل) حينما قال: والشاهقات كساها الثلج فانبعثت** في أركويت تناجي السحب عن كثب ولكني هنا سأكتفي بإيراد قصيدة للشاعر الفحل /محمد بشير عتيق انزل الله عليه شآبيب الرحمة،وقد كتب الشاعر القصيدة عن اركويت دون ان يشاهدها عام 1955م ووصفها أروع ممن شاهدها ،فلما سمع بها السيد/نصر الدين السيد وهو آنذاك وزير المواصلات ،وجه له دعوة لزيارتها ،فكانت كما وصفها ،،فإلي مضابط القصيدة وهي بعنوان (مصيف أركويت)
الدنيا صيف وإذا رأيت أجمل مصيف زور أركويت
يا صاحب الرأي الحصيف لو أنت عاوز ليك وصيف
أنا عندي ليك أجمل مصيف
جو مستديم وصفا ونسيم
وظلال وغيم
بين الجبال سحر الجمال في أركويت
الطقس يظهر ليك لطيف لا برد لا حر لاه زيف
شوف الهضاب سمحة خضاب حلوة رضاب صافية معين
أسألني وين ؟ وقول لي ده مين ؟هي أركويت
تستقبلك بي روح خفيف بين الزهور نديانة هيف
تشبه عروس في توب رهيف
بالله شوف صنع الله كيف
آي الجمال وهوى الظلال في أركويت
يا صاحي قيف فوق الجبال عند الرمال
والمح هناك فندق ظريف
حوي ظل وريف
وتجد مضيف وعمل نضيف
أنا ليك رويت
فإذا نويت روح أركويت
سودانا ذو القدر المنيف
ينسينا بي حبو العفيف
لبنان وايطاليا وجنيف
بس لو فضيت وارتحت من عملك قضيت
روح أركويت
(8)
الحَاضِرْ/المُسْتَقْبَلْ: لَيْلٌ لَهُ آخَرْ
لم تكن أركويت في حاجة لمدد من الآخر في الماضي البعيد،وذلك لجهة اعتماد السكان علي الماشية التي كانت تكفي وتزيد عن حاجة المواطن،كما لم ترفع دعوة استغاثة في وجه أحد في ماضيها القريب،وذلك لاعتماد المواطن لحرفة الزراعة التقليدية،ولن يرفع أبناءها الأكف يوما في وجه أحد متذللين،ولكن جف الضرع والزرع الذي هو مصدر الدخل الذي كان يعتمد عليه الإنسان،وذلك لشح الامطار في ما مضي من سنون وندرتها في السنين القليلة الماضية،بل ان انسان أركويت اليوم يصارع جوف الارض للحصول لشربة ماء، لأن السماء التزمت حياله الجفاء ساعة بعد ساعة حتى من مياه الشرب ،هذا مضافا لجفاء الجهات الرسمية والشعبية لها منذ امد بعيد (رد الله غربة السماء لها)تحقيقا لوعد الحق(وفي السماء رزقكم وما توعدون).
لذا من أجل إنسان المنطقة وحده ،هذا الذي به ومنه يحيى الأرض ،وينتزع ملكيته له(من أحيا أرضا مواتا،فهي له)-حديث-من أجل هذا يجب أن نبحث ماذا فعلت الفعاليات الرسمية والشعبية للمساهمة في رفع حاجة العوز عنه ،ورفع قدراته ،لأن أركويت ما تزال في عصمة وطن يتخطفه الطير ولم تعد خارج خارطته الجغرافية رغم تفردها عنه في نواحي كثيرة ،كما سنبحث في أروقة ما سيُفعل في المستقبل متطلعين لغده المشرق ان شاء الله.
كانت جمعية حماية البيئة قد قامت بجهود مقدرة في مجال حفظ التربة من التعرية والانجراف،وهذه الجهود تغبط لها ،ولم تنقطع عنا ما لم ننقطع عنها ، كما كان لمنظمة هيئة الإغاثة الإسلامية اليد الطولى في إيداع الأيتام من المنطقة في سجلاتها وايلائها الاهتمام المرجو،ومن قمين القول أن لمنظمات إغاثة مثل برنامج الغذاء العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونيسيف واوكسفام والهلال الاحمر والصليب الاحمر وغيرها، المساهمة الفاعلة في دعم البنية التحتية للمنطقة وما تزال...إلي جانب هذا يبقى الجَهد الشعبي فاعلا بدوره المشهود ممثلا في أبناء المنطقة البررة الذين لا يألون جهدًا في المساهمة لبناء الأرض ورقي المجتمع ،وهذا واجب لا يستحقون له ثناء .
ما تقدم هو ما كان من أمر الجهد الشعبي ،أما الجهد الرسمي فيؤسف المرء أن لا يجد حين يتلمس جنباته سوي حفنة من اسمنت لا تتجاوز مدرسة ثانوية ومركز صحي خاويين من الأساتذة و الأطباء فـ(بقدر ما بُنيت المباني هُدمت المعاني)،وليس بغريب هذا الذي يُشاهد من جفاء الرسميين للمنطقة لأن دأب الرسميين في الوطن أن تصم آذانهم لكل صوت سوي صوت الرصاص(!) ،فالحكومات السابقة لم تعر المنطقة بما تستحقها من اهتمام ،أما الحكومة الحالية فقد وقف رسميوها على حال المنطقة من شارع الزلط الذي لم تطله الصيانة منذ مغادرة الانجليز للسودان إلي الفندق والقصر المتهالكين ،ولكن لم يفتح الله لهم بأية مساهمة في تنمية هذه المشاريع وغيرها للنهوض بها ، أما حكومة ولاية البحر الأحمر فلم تعد أركويت في سجلات تنميتها( الأسمنتية) و(الزفتية ) رغم الوعود الكثيرة سوى مواعيد عرقوب الأكثر .
وفي منتصف العام الفائت ،عقد مؤتمر البجا مؤتمره التأسيسي الثاني بفندق أركويت واحتفل بيوبيله الذهبي ،ووقف علي حال المنطقة ولكنه لم تتجاوز مساهمته في بيانه الختامي غير كلمات خجولة في ذيله على شاكلة (يشكر الحزب سكان منطقة أركويت لدعمهم اللامحدود وجهودهم المقدرة من اجل إنجاح برامج ونشاطات المؤتمر العام ،ويلفت نظر الجهات المختصة بضرورة الاهتمام بتطوير وتحديث هذا المنتجع السياحي الهام ،وضرورة الاستفادة من الإمكانيات السياحية الكبيرة التي يذخر بها وبتقابة المجاذيب ونفحات القائد الشهيد الامير عثمان ابوبكر دقنة). ومما قرأته أخيرًا عن حالة البؤس التي تعيشه أركويت رغم مشاهدتي له- والحق ما شهدت به الاعداء – تقرير عن حالة التردي التي يعيشها فندق أركويت ،نشرته صحيفة الرائد في العشرين من يوليو الماضي بعنوان :(بئر معطلة وقصر مشيد)،وقد لاقيت عنتاً من هضم العنوان لتوصيف القصر الذي هو معطل في توصيف التقرير نفسه بـ(المشيد) ،ولعل البئر والقصر أصاب كلاهما عطل الزمان الآن، وترجع سجية إقحام لفظة القصر المشيد والبئر المعطلة القرآنية في السياسة للدكتور عبد الله علي إبراهيم بدءًا بكتابه عن الأحزاب السودانية وتوصيف حالتهم ،وهذا ليس موضوع المادة الآن،، فالتقرير المشار إليه يعرّف القارئ بأركويت في نبذة مختصرة ثم يعرّج لاستنطاق نزيلين بالفندق للتدليل علي بؤس حاله ،فيتفق النزيلان في إبداء دهشتهما لتبدل الصورة التي حملاها في مخيلتيهما من الخرطوم عن أركويت واصطدامهما بواقع الحال المذري فيهمان بالرحيل ،ولكن يتصادف ذلك حضور مدير عام وزارة البيئة والسياحة فيحاول إقناع النزيلين بالمبيت لكنهما يقرران الذهاب ، فيجد معد التقرير في مدير البيئة والسياحة هدفا للإجابة عن ملاحظات أبدياهما النزيلين، فينفي المدير ما ذهبا إليه من سوء الحال ويصف بأن الفندق يحتاج لقليل من الجهد، تسبب في تدهوره شركة الثغر الهندسية - المستأجر الحالي – وثقافة المواطن الذي لا يرغب في النزلاء (!)– حسب تعبيره- وتلف المأكل والمشرب بسبب قلة النزلاء،ويعد بإحلال شركة أخري أكثر اهتماما محل شركة الثغر حال انتهاء عقدها الذي شارف. ويلاحَظ من خلال التقرير سوء الطوية لدى النزلاء ومدير السياحة بعدم المناشدة والرغبة في تأهيل وترقية الفندق ،إذ لم يفتح الله للنزلاء بمناشدة الجانب الرسمي بتوفير ما نفّرهم ،كما ان السيد المدير أسرع لتغطية فشله عن تأهيل الفندق بتعليق ذلك لمواطن أركويت حينا، وشركة استأجرها بضاعة مزجاة حينا آخر، وشكي لطوب الأرض تأخر النزلاء حينا ،وهنا يتضح لنا تخبط السيد نصر الدين العوض مدير عام وزارة البيئة والسياحة حال فشله في واحدة من مسئولياته وما خفي أعظم. ولكن رغم قتامة هذا الواقع وجفاء الحال لأركويت أرضًا و سماءًا،تظل ثمة إشارات أرجو لها أن تكون بشريات في نهاية هذا النفق المظلم ،إذ صرّح السيد/محجوب عطا المنان وكيل وزارة السياحة والحياة البرية بأن(لجنة تم تكليفها من قبل نائب رئيس الجمهورية بإعداد دراسة لإعادة تأهيل مصيف أركويت السياحي بالبحر الأحمر وقامت بعمل كبير ،حيث زارت المنطقة مرتين وشارفت علي رفع تقريرها الختامي لنائب الرئيس ، مشيرًا إلي أن ذلك من شأنه تنمية المنطقة ،خاصة وأن الدراسة تشمل إعادة تطويرها لتصبح منطقة سياحية علي المستوى العالمي حيث تحتوي على فندق وقاعة مؤتمرات)-الرأي العام 21/يونيو/2008م .
كما أن أركويت حاضرة بقوة في خطة وزارة السياحة والحياة البرية الاتحادية لعام 2009م في عدة مواقع:
1- في محور الفقر وتحقيق أهداف الألفية/ضمن مشاريع البنية التحتية/جاء طريق أركويت كأول مشروع يهدف لربط المواقع السياحية بالطرق القومية.
2- في محور الفقر وتحقيق أهداف الألفية/خُصص- منتجع أركويت السياحي- كمشروع/هدفه الآتي:
- إنعاش المنطقة اقتصاديا - خلق وظائف - خلق وتطوير مشاريع أخري في إطار المنطقة ينفذ في فترة عام ،من قبل وزارة المالية الاتحادية بتكلفة كلية تبلغ 4.000.000 دولار.
3- في محور التنمية المستدامة/ضمن برامج التأهيل/جاءت قرية أركويت ضمن ثلاث مناطق سياحية في مشروع واحد تكلفته 6.000.000 دولار تموله وزارتي المالية الاتحادية والولائية.
4- ضمن المشروعات السياحية الاستثمارية/المشروع رقم (3)منتجع أركويت السياحي/مكونات المشروع هي: - إعادة تأهيل فندق أركويت وزيادة السعة الاستيعابية إلي 300 نزيل. – إضافة بعض الخدمات (مطعم – نادي ملاعب وأحواض سباحة). بتكلفة كلية تبلغ 3مليون يورو،يتم تنفيذ كل مراحل التأهيل في عام واحد،ويبدأ العائد من العام الثاني بواقع 5.400.000يورو.
وقد اطلعت علي تقرير توصيات الملتقي الخامس للمعلومات ضمن تقرير ملتقى المعلومات السادس الذي ينظمه المركز القومي للمعلومات التابع لرئاسة مجلس الوزراء والمنعقد هذا العام بمدينة الدمازين ،فقد جاء تحت بند التوصيات العامة وتحت البند رقم (5) الآتي:( أن موقع ولاية البحر الاستراتيجي يجعل من منطقة أركويت المعتدلة طول العام لتكون مدينة رقمية يتم فيها تدريب الخريجين وموظفي الحكومة على لغات البرمجة والتصميم وتجهيز البرمجيات المطلوبة لمشاريع الحكومة الالكترونية وذلك عبر المركز القومي للمعلومات وتتعهد الولاية بتجهيز قطعة الأرض المطلوبة والكافية لهذا المشروع ، على أن تكون مركز رقمي للمؤتمرات وورش العمل والأنشطة العالمية والمحلية)،هذه هي توصية الملتقى في عام2008م ومستوي الانجاز في عام2009م هو أن تمت مخاطبة الولاية لتخصيص الموقع من قبل المركز ومازال يتابع معه ،ولكن المشروع لم ينفذ بعد ،حسب ما جاء في التقرير وحسب الواقع علي الأرض .
ولكن،كل هذه المشاريع يمكن أن تذهب أدراج الرياح باعتبار ما كان ،فقد جاء في خطاب رئيس الجمهورية أمام الجلسة الافتتاحية للهيئة التشريعية القومية في دورة انعقادها الثامنة في ابريل2009م ،جاء الآتي نصه: (أما في مجال السياحة فقد اكتمل تأهيل وتطوير مناطق الجذب السياحي في مصيف أركويت ،واستراحة البجراوية وقرية عروس السياحية.)(!)(؟).انتهى. ((لكيلا تأسواْ على ما فاتكم ،ولا تفرحواْ بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور))
(9)
خُرُوجْ
الناس في وطني شوق يهزهزهم
كما يهز نسيم قامة القصب
والجار يعشق للجيران من سبب
وقد يحبهمُ جدًا بلا سبب
الناس أروع ما فيهم بساطتهم
لكن معدنهم أغلى من الذهب
كنا سماءًا تبث الغيم منهمرًا
على البلاد كقطر الغيمة السكب
وكان موطننا عزًا و ومفتخرًا
ما هان في عمره يومًا لمغتصب
وقدوة لشعوبٍ لا تماثلنا
في الحلم والعلم و الأخلاق و الأدب
والكنز كان هو الإنسان مكتملا
في محفل الجد لم يهرب ولم يغب
والحب أروع ما في الكون نغزله
خيطاً من الشمس أو قطرًا من السحب
والحنبك الفذ في الأغصان لمعته
أزرت بك صنوف الكرم والعنب
والناس قاماتهم طالت إذا هتفوا
بالشمس جيئي تعالي ها هنا اقتربي
ماذا أصاب ضمير الناس في زمنٍ؟
صعبٍ كأنّ به داء من الكلب
هذا زمان غريب، كيف نعرفه؟
أو كيف يعرفنا، من زحمة الحقب؟
؛؛
الاثنين، 8 فبراير 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.